الاثنين، 1 يونيو 2009

الشعوذة والدّجل وغياب دور الإعلام...

عندما شاهدت هذا الفيديو (انظر الفيديو الأوّل)، قفزت إلى رأسي بعض الحقائق المرّة. الكثيرون في مجتمعنا نساءً ورجالا، أصبحوا يذهبون إلى العرّافين والدجّالين والمشعوذين للبحث عن "المكتوب"، استمالة قلب الحبيب، جلب الرزق وتسهيل الأعمال وغير ذلك. ورغم أن هؤلاء الدجّالين لا يملكون نفعا للناس بل يتسبّبون أحيانا في أضرار فجّرت عائلات وتسبّبت في خراب بيوت فإنّهم يجدون إقبالا كبيرا من لدن الكثيرين. وبلغني في عديد المناسبات من مصادر موثوقة أنّه ثمّة من يدرّسون بالجامعة التونسية ويتردّدون على المشعوذين. ومؤسف فعلا أن تجد من مستواه جامعي ولازال يصدّق شيوخا ونساء يدجّلون ويكذبون ويستغبون الناس. السّؤال الواجب طرحه: أين الخلل؟


يقول المثل التونسي الشهير "كثر الهمّ يضحّك"!

رغم أنّ تونسي فقط على أربعة لا يعرف القراءة والكتابة ورغم تطوّر ظروف الحياة وانفتاح المجتمع التونسي إلا أنّنا نشهد تطوّر وانتشار وازدهار تجارة الشعوذة والسحر. ولا أبالغ إن قلت أنّها أصبحت ظاهرة إجتماعيّة شائعة. والغريب في الأمر أنّ لا أحد يهتمّ. لم أقرأ مرّة واحدة عن دراسة اجتماعية اهتمّت بهذه الظاهرة وحاولت تفسير أسبابها. ولم أشاهد في إعلامنا طرحا لهذا الموضوع غير شخصيّة "خالتي جنّات نسيبة السّبوعي" في سلسلة "شوفلي حلّ"! فهل ذلك كاف؟ ما كل هذا التقصير الذي يقع في جزء كبير منه، على عاتق وسائل الإعلام. الكثيرون يريدون استيراد كل ما هو أجنبي ولكنّني لم أر يوما صحفيا يقدّم برنامجا من طراز (Jeudi Investigation) أو (Complément d'enquête) أو (90 Minutes) أو (Envoyé Spécial). لا أعرف كيف يريدون التطوّر باستيراد كل ما لا يهمّ التونسي ولا يساعده على الرّقي بمستواه الفكري والمعرفي والإجتماعي وكذلك ما يفتح عينيه على الكثير من الأشياء السلبيّة ويساهم في توعيته وتثقيفه!
ما الذي سيكلّفه إنجاز تحقيق
لمؤسّسة الإذاعة والتلفزة يمتدّ على خمسين دقيقة يخرج فيه صحفي بكاميرا خفيّة لينبش في خفايا هكذا ظاهرة صادمة ثم يتوجّه بنتائج بحثه ذاك لأهل الذكر من علماء الإجتماع والأطبّاء النفسيّين وغيرهم لتحليل الظاهرة. هل ذلك صعب جدًّا أو باهظ جدًّا أو معقد جدًّا كبعض التحقيقات التي يقوم بها صحفييّ التحقيقات (Journalistes d'investigations) في وسائل الإعلام الفرنسيّة والغربيّة؟ هل سيكلّف إنجاز ذلك ما يكلّفه نقل مقابلة كرة قدم دولية مباشرة أو شراء حلقة من أحد برامج هندي تالة الرّكيكة؟!! وهل المسألة تابو أو غير مهمّة وهامشيّة إلى هذا الحدّ؟؟ هذا الموضوع ككثير من المواضيع لا يعتبر من "المحرّمات" ولا يتجاوز أيّة "خطوط حمر". ما العيب وما المانع في أن يحقّق صحفي في ظاهرة الشعوذة أو ظاهرة التهريب أو انتشار المخدّرات بين الشباب أو الحرقة أو انتشار الكلام البذيء أو انتشار سلوكيّات جديدة غريبة وغير ذلك كثير؟ لم يطلب أحد من إدارة التلفزة بكل قنواتها أن تحقّق في الرشوة والفساد والمحسوبية وحرّية التعبير و... و... وإن كان ذلك من أوكد واجباتها لأنّنا كتونسيّين ندفع لها ضرائب ومن المفترض أن تتكلّم في مشاغلنا وتتناول بالدرس والتحقيق والنقد ما يهمّنا لا أن تصرف أموالنا على الغناء ومقابلات الكرة والبرامج الهابطة! هل ذلك كل ما استطعنا استيراده؟ ونعم الشعب نحن إذن ونعم الإعلام إعلامنا وآسفاه على أموالنا الضائعة!


مصدر الفيديو: الفايسبوك


الكارثة الأنكى والأشدّ أنّ بعض الصحف المكتوبة تساهم بشكل متهوّر وأحمق في انتشار ظاهرة المشعوذين حيث تخصّصت الصحف الصفراء من طراز الإعلان والحدث والصريح وأخواتهنّ في نشر إعلانات الشعوذة! (انظر تدوينات بودورو حول الموضوع هنا وهنا) السّؤال: أين شرف مهنة الصحافة في هكذا عمل؟ ألا يعتبر نشر ثقافة الشعوذة والدّجل دعما للظلاميّة والتخلّف؟؟ ألا يعتبر ذلك عملا لا أخلاقيّا بامتياز وجب زجره وردعه؟

ليست هناك تعليقات: